“العيال كبرت” الجزء الثاني رغم وفاة العيال “سعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي
أعلن، أخيراً، المخرج المصري علوي الحسيني أنه كتب الجزء الثاني من مسرحية “العيال كبرت”، والتي قدمت أول مرة على المسرح في العام 1979، ولا زال يحرص على مشاهدتها أبناء هذا الجيل والأجيال التي كانت في سن العيال الأبطال، وكبروا معهم، على اعتبار أنها إرث مسرحي ثمين.
على الرغم من تأكيد المخرج أن الجزء الثاني الذي سيحمل اسم “العيال رجعت” سيكون مختلفا عن الجزء الأول، وكذلك قوله إن المقارنة ستكون غير عادلة، فإن النوستالجيا المصرية والعربية إلى زمن بعيد جداً ستكون حاضرة في المقارنة، فالحنين إلى الزمن الجميل يفتح عيوننا على حقيقة مرعبة، هي أن العيال لم تكبر فحسب، لكنها تغيرت، وحين قررت أن تقف على المسرح لا يمكن أن تكون كما كانت.
ولذلك، سيكون المؤلف أمام تجربة صعبة، لأن نحو أربعين عاماً مرت على “العيال”، ودارت عجلة الحياة لتغلب المصلحة الشخصية على كل القيم، ومنها الوفاء للزوج والصبر عليه، والبر بالأم، فمثيلات الأم زينب أصبحن عملة نادرة، لأن الزوجة، في أيامنا، تنشغل بصديقاتها، وتتواصل معهن، سواء في الواقع، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتهمل البيت والأولاد. وتفعل ذلك رداً على انشغال الزوج بعمله، وحين تشتمّ رائحة الخيانة منه، لا تحاول الحفاظ على الأسرة، بل تعمل بالمثل “صاعا بصاع”، فلا تتردد بطلب الطلاق، لكي تنتقم لكرامتها على حساب الأولاد الذين يتحولون ضحايا علاقة زوجية فاشلة، فأمثال الأم زينب، الطيبة التي تنتحل العذر تلو العذر للأب الذي تعصف به أزمة منتصف العمر، والتي لا تحتمل أي إهانة له أو تقليل من شأنه، حتى من أبنائها، أمثال هذه الأم أصبحن نموذجاً نادراً، فلذلك علينا أن نقول إن أم العيال تغيّرت.
والأولاد الذين يحرصون على رضى الأم وبرها أصبحوا عملة نادرة أيضاً. إذ أصبح أولاد هذا الزمان يفكرون بالمنفعة الشخصية، ومثال على ذلك “عزيزة”، وهي أم أفنت حياتها مع زوج عاطل، وأربعة أبناء ذكور، وتحملت وصبرت، حتى كبر الأولاد وتخرجوا، وأصبح لكلٍّ منهم حياته الخاصة التي بنتها الأم، بتعبها ومالها. وحين وصلت الأم إلى سن التقاعد، تحايل عليها الأب، واستولى على البيت الكبير الذي اشترته من مالها، وكذلك على رصيدها البنكي، وقرر الزواج بأخرى، وألقاها في دار المسنين. وأيد “العيال” سلوك الأب، وسوّغوا زواجه بذريعة حقه بالتمتع في أيامه الأخيرة، فأمهم ليست المرأة التي “تملأ عين الرجل هذه الأيام”، لا تجيد سوى الطبخ والتنظيف. والسر الخفي الأعظم لموقفهم هذا أن الأب هددهم بحرمانهم من الميراث، في حال وقوفهم مع أمهم. وعلى ذلك، نقول إن “العيال تغيرت”.
وبالنظر عميقاً قي حال أسرة رمضان السكري، نكتشف أنها عائلة كل زمان، فكل واحد من الأبناء كان يعيش لنفسه، ونحن نتحدث عن عقد السبعينات، وأن انعزال كل واحد من الأبناء كان السبب الأول في ضجر الأب، ومحاولته بدء حياة جديدة مع امرأة أخرى، وهو حال معظم العائلات في زمننا هذا، يعيشون كالغرباء تحت سقف واحد، لانخراطهم وغرقهم منفردين بعوالم التواصل الاجتماعي الافتراضي. تعرّض الجزء الأول من المسرحية لانتقادات عديدة من علماء اجتماع ومثقفين عند عرضه، ودافع عنها علي سالم وآخرون اعتبروا أن سخرية الأبناء من الأب رمز لتغير حال مصر، وأن المسرحية، بتناولها قضية أسرية، تمثل حالة تفريغ سياسي لما كانت تمر به البلد من أوضاع في أواخر السبعينات.
لذا، على الجزء الثاني المزمع عرضه إن أراد الصمود أن يتناول حال مصر، بلداً يبحث عن الاستقرار والتقدم في ظل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لشعب ينتظر أن تتحسن أحواله، وينعم بمزيد من الحرية والرفاه، بحيث لا تكون عملاً فنياً معوماً، وقائما على مجاملة الوضع السياسي الحالي.